بسم الله الرحمن الرحيم
سئل فقيه الزمان العلامة الإمام محمد بن صالح العثيمين
ـ أعلى الله درجته في المهديين ـ :
ما حكم التوسل وما أقسامه ؟
فأجاب بقوله :
التوسل اتخاذ الوسيلة ، والوسيلة كل ما يوصل إلى المقصود فهي من
الوصل لأن الصاد والسين يتناوبان ، كما يقال ، صراط وسراط وبصطة وبسطة .
والتوسل في دعاء الله تعالى أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سبباً في
قبول دعائه ولا بد من دليل على كون هذا الشيء سببـاً للقبول ، ولا يعلم ذلك إلا
من طريق الشرع ، فمن جعل شيئاً من الأمـور وسيلة له في قبول دعائه بدون
دليل من الشرع فقد قال على الله ما لا يعلم ، إذ كيف يدري أن ما جعله وسيلة
مما يرضاه الله تعالى ويكون سبباً في قبول دعائه ؟
والدعـاء من العبادة ، والعبادة موقوفة على مجئ الشرع بها ، وقد أنكر الله
تعالى على من اتبع شرعاً بدون إذنه وجعله من الشرك فقال تعـالى : ( أم لهم
شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) (سورة الشورى : 21 )
وقال تعـالى : ( اتخـذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن
مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )
( سورة التوبة : 31 ) .
والتوسل في دعاء الله تعالى قسمان :
القسم الأول : أن يكون بوسيلة جاءت بها الشريعة ، وهو أنواع :
الأول : التوسل بأسماء الله تعـالى وصفاته وأفعـاله ،
فيتوسل إلى الله تعالى بالاسم المقتضي لمطلوبه أو بالصفة المقتضية له أو
بالفعل المقتضي ، قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، فيقول : اللهم
يا رحيم ارحمني ، ويا غفور اغفر لي ، ونحـو ذلك وفي الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال : [ اللهـم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما
علمت الحياة خيراً لي ] وعلم أمته أن يقولوا في الصلاة عليه : ( اللهم صلِّ على
محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) .
والثاني : التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته
كقوله عن أولي الألباب : ( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم
فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ) (سورة آل عمران :193) .
وقوله : ( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا )
(سورة المؤمنون : 109 ) .
وقوله عن الحواريين : ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع
الشاهدين ) (سورة آل عمران :53 )
الثالث : أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبيّنة لاضطراره وحاجته
كقول موسى عليه السـلام ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير )
( سورة القصص : 24 ) .
الرابع : أن يتوسل إلى الله بدعـاء من ترجى إجابته ،
كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم
، مثل قول الرجـل الذي دخل يوم الجمعـة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب
فقال : ادع الله أن يغيثنا وقول عكاشة بن محصن للنبي صلى الله عليه وسلم :
ادع الله أن يجعلـني منهم .
وهذا إنما يكون في حياة الداعي أما بعـد موته فلا يجوز ، لأنه لا عمل له فقد
انتقـل إلى دار الجزاء ، ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي
الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم ، بل
استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : قم فاستسق ،
فقام العباس فدعا ، وأما ما يروى عن العتـبي أن أعرابيـاً جاء إلى قبر النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( ولو
أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله
تواباً رحيماً ) ( سورة النساء : 64 ) . وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعـاً
بك إلى ربي ... وذكر تمام القصة فهذه كذب لا تصح ، والآية ليس فيها دليل لذلك
، لأن الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) ولم يقل إذا ظلموا أنفسهم و إذ
لما مضى لا للمستقبل ، والآية في قوم تحاكموا أو أرادوا التحاكم إلى غير الله
ورسوله كما يدل على ذلك سياقها السابق واللاحق .
القسم الثاني : أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان :
أحدهما : أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع ،
كتوسل المشركين بآلهتهم ، وبطلان هذا ظاهر .
الثاني : أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع
وهذا محرم ، وهو نوع من الشرك ، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جـاه عند
الله فيقول : أسألك بجاه نبيـك . فلا يجوز ذلك لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع
ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعـاء لأنه لا يتعلق بالداعي ولا
بالمدعو ، وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده ، فليس بنافع لك في حصول
مطلوبك أو دفع مكروبك ، ووسيلة الشيء ما كان موصلاً إليه ، والتوسل
بالشيء إلى ما لا يوصـل إليه نوع من العبث ، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك
وبـين ربك . والله الموفق .
المصدر : مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
( الجزء : 2 / السؤال رقم : 375 ) .